منظمة التجارة العالمية- أزمة وجودية في ظل الحروب التجارية والقومية الاقتصادية
المؤلف: علي محمد الحازمي09.26.2025

إنّ سياسة "أمريكا أولاً" التي تبنّتها إدارة الرئيس ترامب قد أفرزت تداعيات اقتصادية ومالية عاصفة تهزّ أركان العالم في الوقت الراهن، ويتصدّرها عنوان بارز هو "التعريفات الجمركية"، ممّا يؤكد الانحدار المتزايد في مصداقية منظمة التجارة العالمية على مرّ العقد المنصرم. فبعد أن كانت تعتبر الركيزة الأساسية التي يقوم عليها النظام التجاري العالمي، باتت اليوم أسيرة النزعات القومية الاقتصادية المتصاعدة، والحروب التجارية المدمرة، والشلل المؤسسي الذي يعيق حركتها. وفي ظلّ غياب نظام فعّال لتسوية المنازعات، تضاءلت قدرة المنظمة بشكل ملحوظ على إنفاذ قواعد التجارة الحرّة، ممّا جعل إيجاد حلول ناجعة للنزاعات التجارية الدولية أمرًا شبه مستحيل.
لقد أضحت منظمة التجارة العالمية مكبّلة بالمناورات السياسية المعقدة وعدم استعداد الاقتصادات الكبرى للالتزام بقراراتها الصادرة. ولا بدّ هنا من التأكيد على أنّ المنظمة تهدف في الأساس إلى منع النزاعات التجارية وضمان تكافؤ الفرص بين الدول الأعضاء، ولكنّها عجزت عن مواجهة الحروب التجارية الشرسة التي أطلقتها دول عديدة. وقد تجلّى هذا العجز في لجوء بعض الدول إلى فرض تعريفات جمركية أحادية الجانب وتدابير انتقامية، بدلًا من الاحتكام إلى إطار عمل المنظمة وآلياتها المتاحة.
إنّ التعريفات الجمركية التي استهلتها إدارة ترامب ضدّ العديد من الدول، والتي قوبلت بردود مماثلة من قبل بعضها الآخر، قد كشفت النقاب عن عجز منظمة التجارة العالمية عن القيام بدور الوسيط أو تقديم حلول فعّالة للأزمات التجارية، ممّا يؤكد تراجع مكانتها وأهميتها في عصر تفضّل فيه القوى الاقتصادية العظمى المفاوضات الثنائية والإقليمية على التعاون المتعدد الأطراف. وقد أدّت هذه الحرب التجارية السابقة والحالية إلى انهيار أوسع نطاقًا للثقة في قدرة المنظمة على إنفاذ قواعد التجارة العالمية، مع تزايد ميل الدول الأخرى نحو تبني سياسات حمائية لحماية اقتصاداتها. لقد تزامن هذا الركود الذي تعاني منه منظمة التجارة العالمية مع صعود نجم اتفاقيات التجارة الإقليمية، مثل اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
هذا التحوّل المتسارع نحو الإقليمية قوّض سلطة منظمة التجارة العالمية بشكل كبير، حيث باتت الدول تجد أنّ من الأجدى لها التفاوض على شروط التجارة خارج إطار النظام المتعدد الأطراف الذي ترعاه المنظمة. أمّا الدول النامية، التي كانت تعلّق آمالًا كبيرة على أن تقوم المنظمة بمعالجة أوجه التفاوت التجاري، فتشعر الآن بأنّها لم تحصل على ما تستحقه من فوائد ومزايا. ونتيجة لتلك العوامل المتضافرة، أدّى إخفاق منظمة التجارة العالمية في الوفاء بوعودها إلى تأجيج مشاعر الاستياء وتآكل الثقة بين الاقتصادات الناشئة والصاعدة. وفي ظلّ شلل نظام تسوية النزاعات في المنظمة، وتهميش الاقتصادات الكبرى لها من خلال إشعال الحروب التجارية وعقد الاتفاقيات الإقليمية، وفقدان الدول النامية ثقتها بوعودها، تواجه المنظمة اليوم أزمة وجودية حقيقية تهدد بقاءها.
لقد تقوّضت المبادئ الأساسية التي قامت عليها منظمة التجارة العالمية، والمتمثلة في التجارة الحرّة والمنافسة العادلة، بفعل الإجراءات الحمائية المتزايدة، والسياسات التجارية الإستراتيجية التي تنتهجها الدول، وتنامي النزعة القومية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم. وإذا لم تخضع المنظمة لعملية إعادة هيكلة جوهرية وشاملة وتستعيد سلطتها المفقودة، فإنّها حتماً ستؤول إلى السقوط والاندثار. ووفقًا لتلك الرؤية، فإنّ إحياء هيئة الاستئناف المعطلة، وتطبيق قواعد التجارة بفعالية وشفافية، وضمان تحقيق منافع عادلة ومتوازنة للدول المتقدمة والنامية على حدّ سواء، من شأنه أن يسهم بشكل كبير في استعادة شرعية المنظمة ومصداقيتها. كما أنّ معالجة التشوهات التجارية الناجمة عن صراعات القوى العظمى تعتبر خطوة ضرورية وحاسمة لمنع منظمة التجارة العالمية من أن تصبح مؤسسة غير ذات صلة ولا تؤثر في المشهد التجاري العالمي. ومع ذلك، فإنّ تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية من قادة العالم، وهو أمر لا يزال بعيد المنال في ظلّ الظروف الراهنة. ومع بلوغ منظمة التجارة العالمية عامها الثلاثين، فإنّها تواجه واقعاً قاسياً وحتمية لا مفر منها، إمّا التكيف مع المتغيرات والتطورات المتسارعة أو التلاشي والزوال. وإذا لم تُتخذ إصلاحات عاجلة وجذرية، فقد يشهد النظام التجاري العالمي قريباً نهاية مؤسسة كانت تُعتبر في يوم من الأيام ضرورية ولا غنى عنها.
لقد أضحت منظمة التجارة العالمية مكبّلة بالمناورات السياسية المعقدة وعدم استعداد الاقتصادات الكبرى للالتزام بقراراتها الصادرة. ولا بدّ هنا من التأكيد على أنّ المنظمة تهدف في الأساس إلى منع النزاعات التجارية وضمان تكافؤ الفرص بين الدول الأعضاء، ولكنّها عجزت عن مواجهة الحروب التجارية الشرسة التي أطلقتها دول عديدة. وقد تجلّى هذا العجز في لجوء بعض الدول إلى فرض تعريفات جمركية أحادية الجانب وتدابير انتقامية، بدلًا من الاحتكام إلى إطار عمل المنظمة وآلياتها المتاحة.
إنّ التعريفات الجمركية التي استهلتها إدارة ترامب ضدّ العديد من الدول، والتي قوبلت بردود مماثلة من قبل بعضها الآخر، قد كشفت النقاب عن عجز منظمة التجارة العالمية عن القيام بدور الوسيط أو تقديم حلول فعّالة للأزمات التجارية، ممّا يؤكد تراجع مكانتها وأهميتها في عصر تفضّل فيه القوى الاقتصادية العظمى المفاوضات الثنائية والإقليمية على التعاون المتعدد الأطراف. وقد أدّت هذه الحرب التجارية السابقة والحالية إلى انهيار أوسع نطاقًا للثقة في قدرة المنظمة على إنفاذ قواعد التجارة العالمية، مع تزايد ميل الدول الأخرى نحو تبني سياسات حمائية لحماية اقتصاداتها. لقد تزامن هذا الركود الذي تعاني منه منظمة التجارة العالمية مع صعود نجم اتفاقيات التجارة الإقليمية، مثل اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
هذا التحوّل المتسارع نحو الإقليمية قوّض سلطة منظمة التجارة العالمية بشكل كبير، حيث باتت الدول تجد أنّ من الأجدى لها التفاوض على شروط التجارة خارج إطار النظام المتعدد الأطراف الذي ترعاه المنظمة. أمّا الدول النامية، التي كانت تعلّق آمالًا كبيرة على أن تقوم المنظمة بمعالجة أوجه التفاوت التجاري، فتشعر الآن بأنّها لم تحصل على ما تستحقه من فوائد ومزايا. ونتيجة لتلك العوامل المتضافرة، أدّى إخفاق منظمة التجارة العالمية في الوفاء بوعودها إلى تأجيج مشاعر الاستياء وتآكل الثقة بين الاقتصادات الناشئة والصاعدة. وفي ظلّ شلل نظام تسوية النزاعات في المنظمة، وتهميش الاقتصادات الكبرى لها من خلال إشعال الحروب التجارية وعقد الاتفاقيات الإقليمية، وفقدان الدول النامية ثقتها بوعودها، تواجه المنظمة اليوم أزمة وجودية حقيقية تهدد بقاءها.
لقد تقوّضت المبادئ الأساسية التي قامت عليها منظمة التجارة العالمية، والمتمثلة في التجارة الحرّة والمنافسة العادلة، بفعل الإجراءات الحمائية المتزايدة، والسياسات التجارية الإستراتيجية التي تنتهجها الدول، وتنامي النزعة القومية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم. وإذا لم تخضع المنظمة لعملية إعادة هيكلة جوهرية وشاملة وتستعيد سلطتها المفقودة، فإنّها حتماً ستؤول إلى السقوط والاندثار. ووفقًا لتلك الرؤية، فإنّ إحياء هيئة الاستئناف المعطلة، وتطبيق قواعد التجارة بفعالية وشفافية، وضمان تحقيق منافع عادلة ومتوازنة للدول المتقدمة والنامية على حدّ سواء، من شأنه أن يسهم بشكل كبير في استعادة شرعية المنظمة ومصداقيتها. كما أنّ معالجة التشوهات التجارية الناجمة عن صراعات القوى العظمى تعتبر خطوة ضرورية وحاسمة لمنع منظمة التجارة العالمية من أن تصبح مؤسسة غير ذات صلة ولا تؤثر في المشهد التجاري العالمي. ومع ذلك، فإنّ تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية من قادة العالم، وهو أمر لا يزال بعيد المنال في ظلّ الظروف الراهنة. ومع بلوغ منظمة التجارة العالمية عامها الثلاثين، فإنّها تواجه واقعاً قاسياً وحتمية لا مفر منها، إمّا التكيف مع المتغيرات والتطورات المتسارعة أو التلاشي والزوال. وإذا لم تُتخذ إصلاحات عاجلة وجذرية، فقد يشهد النظام التجاري العالمي قريباً نهاية مؤسسة كانت تُعتبر في يوم من الأيام ضرورية ولا غنى عنها.